أخي أخيتي، واقع الحال لا يحتمل الانتظار أو
التأجيل، و سأقولها بدون تمهيد أو مقدمات. كيف يمكننا أن نكون جسدا واحدا إن كنا ببعضنا غير مبالين. وحدتنا تتآكل كل يوم و نزيدها فرقة. و نريد التغيير، من أين يأت التغيير و
نحن خلف الأحداث بالتفرج مكتفين. و لكن الأمر في الحقيقة لا يستحق الكثير من
التفكير، و لأن يبدأ كل واحد منا بنفسه فيجاهد فيها بالعلم و التعلم و ينتقص من
تفاهات الأمور التي يتضمنها يومه لتقدمنا بشكل كبير.
|
كيف نواجه التفاهة. مقالة |
و لأن يتعلم أحدنا في اليوم و
الليلة آية قصيرة و يفهمها على الوجه الصحيح إذ يتعب قليلا في تحري عمن يأخذها. لو
يتدبرها فيدرك مقتضاها و ما يريده الله منه تجاهها فيجتهد في العمل على ضوء ذلك.
و لأن
يحفظ أحدنا حديثا مهما مما ينجي من المهالك و يهدي إلى سواء السبيل فيخلص في طلبه
من أهل العلم الربانيين و يحاول قدر المستطاع أن ينشره بسلوكه أو بقوله بين أهله و عشيرته لوفقنا الله فيما نريد و لهدانا في نوايانا و أعمالنا.
و لأن يتعلم أحدنا علما دنيويا يفيد به مجتمعه و أمته - و ما أحوجنا في هذا الوقت بالذات لذلك- فبنعمة من الله قد صار ذلك متاحا و سهلا مع وجود الأنترنت و مصادر العلم المهمة و المختلفة فيه، فوالله لصار يومنا أطول و مباركا و ذو قيمة قيمة .
لأن نشارك ولو
بقليل بسلوك قويم فيه من الخلق الحسن ما يشد المرء لهذا الدين و لو زينا به
محتوياتنا على صفحاتنا التي ننشرها يوميا على شبكات التواصل لانتفع بذلك منه الكثير من التاس. لغيرنا النظرة و ما اكتفينا
بالتقاعس و الندب على أحوال الأمة، و لكان خيرا لنا.
لو بادرنا بأن يحاسب كل منا نفسه
و ينظر ما يمكن أن يقدمه في تحسين خلقه تجاه ربه وتجاه من حوله و يسعى في الإصلاح
قاصدا بذلك ابتغاء وجه ربه لا مستعليا و لا متباهيا لأتت كل الجهود أكلها.
كيف تصنع التفاهة؟
و كانت المشكلة مشكلة تفريط و إهمال من الأمة تدريجيا بعدم الالتزام بالمواظبة على الأساسيات من الشعائر، فلما استرسل الغافلون المتلاعبون و استهانوا بالأمر، تغير الأمر و صار أخطر فوجدت الأمة نفسها في حرب مع أعدائها حيث أصبحت المشكلة أعوص و أصبحت مشكلة مفاهيم.
صار الخلط بين الحق و الباطل و الحقوق و المظالم حتى رأينا الفطرة البشرية تصيح لما رأته من موجات ادعائية تصفق لما كان يُعَدُّ بالأمس انتهاكا و اعتداء، و تحاول بل تعمل على أن تضفي عليه صفة الشرعية، وهذا في العديد من المجالات.
و رأينا أصحاب الحقوق بعد اعتيادهم و تعايشهم مع الظلم بكل أشكاله و صوره، صاروا يخجلون من الحديث عنها أو المطالبة بحقوقهم مما زاد من استفحال أهل الباطل و تفشت حملتهم فكان لهم التاثير كل التأثير على تثبيط الهمم . و مما زاد خطورة هذه الظاهرة هي الجرأة و الثقة التي صارت عند هؤلاء المتنمرين المقنعين بزيف الحق. و ما يكنون تحت أقنعتهم إلا خبثا و مكرا و تجاوزا لحق الغير.
كيف نشأت التفاهة في مجتمعاتنا؟
إذا أردنا الكلام فالكلام يحز في النفس و يعتصر القلب، و لكن فهم الأشياء و الاعتراف بها أحيانا قد يكون أول خطوة في إيجاد الحلول. لم تصنع التفاهة في الخفاء و لم تصنع هكذا جاهزة مرة واحدة بل كان وراء ظهورها و قوة انتشارها سنوات كفاح في استعمال كل ما يمكن أن يضل عن سبيل الله بعلم أو بغيره. فالقوة الناعمة كما يسمونها و التي هي في الحقيقة اشد شراسة استخدمت لهذا الغرض و كانت أمثل طريقة مؤثرة لسهولة وصولها إلى البيوت عبر مختلف الوسائل الإعلامية.
و لأن الهدف تمت حياكته بدقة متناهية، فقد تنامت مسيرة التفاهة لتتربع عرش الأحداث في الفترات الأخيرة على شكل موجات تسحب كل مرة نصيبا من العقول و من منزوعي الإرادة و الهوية. و كلما كانت الاستجابة سريعة كانت التغذية و الإبداع فيها يتزايد ضاربا عرض الحائط كل خلق قويم أو فطرة سليمة مقابل جذب الانتباه و إثارة الجدل و خلق من اللا شيء شيئا ليغطي عن الأمور الجسام.
إن الغزو الفكري المعاصر على قدر تطور وسائله على قدر تعفن محتواه و أهدافه حتى لكأنه أصبح التطبع مع الميوعة و الخلاعة سمة من سمات المعاصرة و لبئس المعاصرة و لبئس الحداثة المزيفة. إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف تقبل المجتمع هذا التغيير بهذه السرعة فأصبح الاسترزاق بالعرض و الشرف من الحاجيات التي استدعاها الوقت كما يروج لها.
و الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هو غياب واضح و تام لوجود ثوابت و مبادئ مبنية على أسس قويمة لتحمي الناس الذين يتعاطون مع المعلومة الرقمية من الانجراف لأي فكر أو سلوك أو عادة لا تتناسب مع ثوابت الأمة.
لقد بدا الاستعمار جليا و أنتج التقليد الأعمى جيلا منسلخ القيم له تصور ضبابي عن عقيدته مستخف لأقصى حد بما كان بالأمس مقدسا و لا يقبل التأويل أو الشك، بل صار مواد دسمة يتغذى عليها من في قلوبهم مرض و الحاسدين لمن يحملون شعلة من نور الله في قلوبهم. فكان هذا الصراع حريصا ليفتك بكل دعامة المجتمع، و هكذا شيئا فشيئا تساهل الناس مع الغرائب من الأمور و بعد تجاوز مرحلة الصدمة، صار الاعتياد و التأثير أسبابا من استفحال ظاهرة التفاهة.
الصعود إلى الهاوية
فعلى سبيل المثال و الأمثلة كثير، ظهرت حملات التجديد الشكلي للنساء و العمل على إقناعها بضرورة تحسين صورتها الخارجية للتقبل و لفت الانتباه و صرف الاهتمام عن تنمية عقلها و ثقافتها فيما سلط الضوء على اهتمامات الشباب و كيفية شعورهم بالانتماء فقدمت لهم نماذج فقيرة الخلق عقيمة الفكر لامعة المظهر و المنظر لا أهداف لها إلا اللهو و الطرب و الفوز بتحديات جنونية تسلب العقل و الرشد.
و قدمت لهم هذه الفئة على أنها نماذج فعالة في تنمية مجتمعها بتحقيق دخل مادي و إن كانت في الأصل لا تمرر إلا محتوى مادي صرف يلقي الضوء على ما تهواه العقول الفارغة التابعة و الهاتفة تهرف بما لا تعرف و تخوض في كل واد.
و الله إن العقل لم يعد يستوعب هذا الاستحمار و الجنون . فإن شئت سميته تمويها أو خداعا و قلبا للحقائق أو شئت سميته فلسفة فاسدة و رؤية جائرة و حتى لا نزيد الأمور تعقيدا فدعنا نقول و بكل بساطة هو نتيجة و خذلان تلقائي لما تخلينا عن القيم أعقبه ابتلاء نفاقا عمليا أو عقديا فاستغل أعداؤنا و من بيدهم زمام الأمور فعملوا على تغيير قناعتنا حتى نعتقد بما يريدون إقناعنا به. فعلى سبيل المثال، من كان بالأمس يعتبر شريفا و بطلا أعطيت له اليوم ألقابا في الاعتداء و الرجعية و نزعت منه الدوافع و الأسباب و الذي كان بالأمس القريب منكرا و دخيلا على هوياتنا و أعرافنا صار يستحق الريادة و القيادة و السيادة.
فكيف بجيل نشأ بين المنتصف و كيف بجيل تربى في الحقبة المزيفة . كيف له أن يتبين ما له من حق حتى يدافع لأجله بثقة و يقين إن كانت المفاهيم قد اختلطت و أيواب الفتن قد شرعت على مصراعيها . فعلى من تقع المسؤولية يا ترى و كيف السبيل إلى إنقاذ هاته التنشئة من هذه الظلامية الهلامية. كيف يمكن أن تتضح الرؤية لترجع المفاهيم السليمة للعقول. إنه لأمر جلل يستحق تأملا و دراسة لرصد الخلل و تصحيح الأوضاع إن أردنا حقا ان نعود باجيالنا لجادة الصواب.
التغيير الفردي فعال
فلنحاول و لنبادر بالصلاح يا من لا يزال في قلبه ذرة من الحماسة للتغيير للأفضل. و لنسعى في نشر الخير حيثما استطعنا إليه سبيلا بعيدا عن الشخصنة و التحزب و نزاحم أهل الرذائل و التفاهة، من لا يريدون لنا خيرا و يضيعون أوقاتا هي من أغلى ما نملكه. و لنعرض عن صفحات اللافائدة و اللغو من تستفز فينا علو قيمنا، من أصحابها يستخفون بنا و يخدشون ما تبقى من حيائنا تحت ذريعة التسلية فتبا لها و لكل حريص على دسها في عقولنا.
نحن من سيصنع التغيير إن أردنا حقا. و بداياتنا تبدأ بما هو متاح لنا. كل منا ينظر باحترام لذاته فيحترم ذوقها و لا يسفهها فقد بلغت السفاهة ذروتها. كلمات لم أنسقها و أضبطها من قبل و لكن حز في قلبي ما نحن نعيشه من اضطهاد أخلاقي على مختلف المستويات. فلنكن أمة واحدة إن شئنا أن تقوم لنا قائمة ففي ذلك مناصرة لمن وجبت له النصرة و الله لن يضيعنا إن كنا كذلك.