أن تكون مسلما فهذا يقتضي منك أن تشهد في قرارة نفسك و أن تقر بلسانك و قلبك أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله . أما أن تكون مؤمنا صادقا فهذا أكبر و أعمق بكثير، فالإيمان الحق يقتضي منك أن تتجاوز الإسلام و تتضلع في العلم لتعرف أنك مطالب بالتعليم و العلم بالله و بغاية اصطفائك لعبادته و ما تتضمنه رحلة العبادة من العلم بأركانها و كيفية تأديتها و إخضاعها لميزان السنة.
ثم إن هذا يأخذك إلى أن تكون فاعلا متفاعلا في إظهار صحة ما تعتقده و السبيل الذي تبين به للناس قبل أن تدعوهم لتكاليف هذا الدين، أن تكون مؤمنا مجتهدا في نفسك تقف عند حدود الله في الحلال و الحرام قبل أن تنتظر من الآخرين ذلك، و أن تحاول أن تكون مصلحا و نموذجا بسلوكك قبل قولك، و ذلك لتنال القبول أولا ثم لتوفق في التأثير ثانيا.
![]() |
كن داعيا إلى الله |
كيف تكون داعيا إلى الله على بصيرة؟
- و الإيمان شعب... فما قصدت له من باب فأنت سائر إلى الفلاح و الجنة. و من مسؤوليات الداعي إلى الله أن يكون على إلمام و إدراك بأحوال بيئته و ما مرت بها من مختلف التحولات، و أن لا يغفل على أن يكون له حظ في شتى العلوم و لو بقدر يسير بحيث يخوله ذلك أن يكون في المقدمة مهما تغير الحال و تطور الزمن.
فلا نعتقد أبدا أن مهمة المسلم المؤمن الداعي المصلح المحراب و الصلاة و تعليم الشعائر فحسب، بل إن مهمته التي أتت بها الشريعة السمحة هي بعد تثبيت شعائر الدين من عبادات كركيزة أساسية، تبدأ مهمته في التوجيه بالحسنى والكلمة الطيبة و بيان الحق من الأحكام في شتى أمور الحياة دون استثناء. فمن جمالية ديننا الشمولية و الانسجام متى كان المنطلق و غاية الوصول رضا الله و اتباع هدي نبيه صلى الله عليه و سلم.
أما أن يختلف الهدفان، فقد انقطع الحبل و ضاعت البوصلة و صار العمل بلا وزن و لا ثمرة حتى و إن ظهر لك مجديا في البداية، فسرعان ما يهوى و يختفي أثره لعدم صحة أصله و موافقته لأصول الشرع. لذلك كانت رسالة الإسلام سامية لا يحملها إلا من علم بقدرها و بشرف حملها. فليس كل مسلم مؤمن و كل مؤمن هو مسلم في الأصل. في كل تحرك لك أيها المسلم تحتاج للتعلم و البحث و لك في رحلتك كل الأجر و الثواب، و هي مهمتك التي اخترتها باختيار الله لك لتحيا دائما و ليكون الموت بالنسبة لك ما هو إلا عبورا للحياة الحقيقية حيث تجني ما غرست في صحيفتك و تنعم بالحياة الأبدية.
1/ الداعي إلى الله يعصي و يخطئ
- أن تكون بعبادتك داعيا إلى الله. هذا لا يقتضي منك الكمال و لا أن تكون غير مذنب أو خطاء. لأن ذلك استحالة. و لكن المقصود، أن تبقى على أوبة و إنابة مع كل زلة او معصية. بالمعنى الأصح أن تكون أواها منيبا كما اتصف بذلك سيدنا إبراهيم عليه السلام. هناك من يرى مع حبه للالتزام و إقامته ما استطاع من أوامر الله و اجتناب ما نهى عنه أنه ما دام لا يثبت على الاستقامة فلا دور له في الدعوة إلى الله و أنه ما ابعد ما يكون عنها. و هذا خطأ كبيرقد يقع فيه معظم الناس. فالدعوة إلى الله أشمل و أوسع قد تقوم بها المراة المسلمة في بيتها حيث تبين الخلق القويم لأبنائها و زوجها و أهل بيتها. كذلك الطالب داع إلى الله في جده و في إخلاصه في طلب العلم و عدم الغش و تقدير معلمه و زملائه و تبيين فضل أساتذته عليه. و العامل داع إلى الله في عمله بمراقبة ربه و إدارة عمله على أحسن وجه سواء كان فوقه رئيس مراقب أو كاميرا أم لا لأن مراقبة الله تكفيه.
2/ الداعي إلى الله مقسط مع الناس
يجب على الإنسان المسلم أن ينتبه لمداخل الشيطان حيث يسد عليه باب الدعوة إلى الله و يمنعه من الخير. ثم إن دعوتك إلى الله أيها المسلم أهم ما يجب أن ترتكز عليه و تتصف به هو أن تتقي الله في خلقه بغض النظر عن دينهم أو انتمائاتهم، فأن تكون مخلصا في أعمالك هذا لا يعني أن تخلص للمؤمن و ألا تفعل لغير المؤمن أو الذي يختلف معك في الاعتقاد و التفكير. أنت ملزم بالقسط لتقسط مع كل العباد. و هذا لب إسلامك و فضله الذي يدعوك لإظهار هذه الحقائق و التمسك بها. غير أنه أن تكون عادلا مع كل الناس فالإحسان إلى أخيك المسلم يجب أن يكون أكثر و ذلك لرابطة الحب في الله و الموالاة فيه و تذكر أن الله يحب المتقين و يحب المحسنين و معيته معهم دائما في الحفظ و النصرة.
3/ كن داعيا بعدم الفعل.
- أحيانا عندما نسمع الدعوة إلى الله يتبادر إلى أذهاننا أن فيها فعل فقط، و إنما هي كذلك تتمثل في عدم الفعل. و معناه، أنت يا من اخترت ان تكون لله داعيا فعليك أن تتجنب كل فعل لا يوصلك إلى الله، وأعني بذلك أن ألا تخوض في أعراض الناس أوسفاسف الأمور و تفاهتها و ما يلهي الناس عما ينفعهم، كما أنك ملزم بالابتعاد عن الظالمين و أصحاب البدع و من يريدون أن ينالوا من هويتك و ما تعتز به من مقدسات حتى و إن كان يبدو لك في ذلك في ظاهر الأمر أن هناك مصالح مجتمعة. بل على العكس يجب عليك أن تبتعد عنهم و تحذر منهم و تنهاهم عن ذلك على قدر استطاعتك باللين و الكلم الحسن. فالمصالح لا تكون بانتهاك ما حرم الله و رسوله. دعوتك إلى الله لن تكون لك فضل و لن تكون لها أهل إلا إذا تشبعت حب الله و رسوله و كنت مقتنعا أن شريعتهما هي الأصح و الأصلح على الإطلاق. و إلا كيف ستدعو لشيء لك فيه شك أو تأخذه على سبيل التجربة أو الوجاهة.
الآية: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.
♦ السورة ورقم الآية: يوسف (108).
آية، غاية في الإحكام و البيان و التبيين و الحجة و تنزيه لله و توحيد و تبرئة من غير الإسلام. فهل تأملناها حين أردنا أن نطرق باب الدعوة إلى الله. كل في مكانه و منصبه، فالدعوة لا تكون بمفهومها العام فحسب، بل من الخاص تبدأ و من أقرب دائرة التي هي الأسرة فأي سبيل ذكر في الآية، هل هو سبيل الهوى أم المصالح الشخصية أم ما يناسبها أم ما ينتصر لأحد الجنسين على الآخر.
واعجباه حين يكون المنتسب للدعوة فيه أحد هاته الأمراض، أتراه يوفِّقه الله في دعوته حتى و إن ادعى من ورائها الصلاح، ما دام فيها انتصار لغير الله، فلن يوفق بل سيجد نفورا من العباد تلقائيا مهما حاول، و ستنفلت منه وسائل و أساليب الإقناع.
إذا لم ينتصر المسلم على حظوظ نفسه، فكيف يمكنه أن يوفق في بيان الحق من الباطل، و فاقد الشيء لا يعطيه. هذا الدين لا يحمل همه كل الناس، أو تستفرد به الأهواء و المناصب، بل هو الذي من مزاياه أن يصبغ صاحبهُ الحق به امتثالا لقول الله: صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) سورة البقرة.
لقد رأيت بعقلي البسيط أناسا يفضحهم الله من خلال دعواهم فتنكشف ثغرة مما لم يقبلوه من هذا الدين بحيث يريدون أن ينسبوا لهم الأفضلية أو تكون لهم نزعة ذكورية فيستعملونها لصالحهم باسم ما جاء به الشرع و هذا قد تجده من خلال لحن قولهم و في مناسبات عديدة و بأسباب أو بدونها.
في حين و جدت أناسا آخرين على علم يسير، و مع ذلك لهم من القبول ما شاء الله، و إذا سمعت خطاباتهم تمنيت لو رأيتهم في مراكز قيادية لما لهم من رزانة عقل و حكمة و سدادة رأي و لطف حديث، و لنا في رسول الله أسوة حسنة و قد أكد لنا القرآن بذلك فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ
من ها هنا تأتي القدوة و تتأسى و تتربى لتقود إن شاءت و ليس ممن يفصل شرائع الله على هواه. أنا لا يمكنني أن أعنرف بداعية مهما بلغ علمه و هو يحقر من المرأة في المجتمع أو يقل من شأنها أو حتى يتحدث عنها بما لا يليق بها كما لا أسمح أن أسمع من يقل من شأن الرجل المسلم الذي هو أبي و أخي و زوجي و ابني .
كل هذا إن وجد فهو مناف للفطرة السليمة و مستحيل أن يؤثر صاحبه إلا في القلة التي تتبعه، أما من يبتغي الحق فلا يرى المرأة و الرجل إلا كما يراهما القرآن الكريم و كما تحدث عنهما النبي صلى الله عليه وسلم. لأنه كيف يمكنني أن أستمع لأحد يقنعني و هو لا يعترف بوجودي و لا بقيمتي التي منحني الله اياها بل يحجم مكانتي بمختلف الأسباب و الحجج ضاربا عرض الحائط كل الضوابط الشرعية. فيا ليت شعري من الانتباه لكل هذا، فليس التأثير بالادعاء و الاتباع و إنما بما وافق الوحي بنوعيه و كان مطلبه الإصلاح كما قال ربنا". إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) " سورة هود.
- كن داعيا إلى الله محسنا بالظن و القول و الفعل، و سدد و قارب و ابتغ بذلك كله فيما عند الله حتى لا تتشتت في طريقك و مسيرتك، و تجرك إحدى الانزلاقات التي تعترض النفس البشرية مالم نداوم على تربيتها و تزكيتها و تذكيرها بالهدف الأول و الأخير وهو رضا الله و إحياء الناس بهذا الدين العظيم و الإشادة بخلق النبي العظيم صلى الله عليه و سلم.
- خذ حذرك و لا تكن منهم، و أنت تمضي يومك بين حادث و حديث لا بد أن تقع في شراك اللمم و الآثام بقصد أو بدونه. شراك الفتن منصوبة ليل نهار تحصد دون هوادة فلا تكن عنها بغافل.
يكفيك أن تجتهد و تحرص على مراقبة الله لك فإذا غالبتك نفسك او شيطانك فعد بسرعة إلى ميدان التوبة و الاستغفار وأصلح ما يمكن إصلاحه و لو بلغت تجاوزاتك عنان السماء.
لا تضع رأسك على وسادتك إلا و قد رصدت نجاحاتك و استفدت من أخطائك. و أزح عنك أثقال الأحقاد كما تخلع ملابسك لترتاح و تطيب نومتك. لا تدري لعلها تكون المدنية لك من الله حين تعفو.
لا بأس أن تجعل لك في كل فترة استراحة فيما أباحه الله لك وجدد نيتك و كن داعيا إلى الله بسلوكك تنل صدقا و كل خير. كل شيء يتغير من حولك فلا تظل ساكنا كبركة ماء فيصيبك العفن. تحرك و كن كالماء طاهرا متدفقا بالخير و اطمئن سيصل عملك و لن يضيع. و تذكر أننا كلنا ماضون لما قدمنا. فقدم خيرا تجده حتما، سنة الله فيما كان له بقي و نما و فيما دونه ذهب جفاء.