والوقْتُ أَنْفَسُ ما عَنِيت بِحِفْظِهِ وَأَرَاهُ أسهَلَ ما عليك يَضِيعُ
يحيى بن هُبَيرة البغدادي
"يا ابن آدم انما أنت أيام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك" الإمام الحسن البصري
كيف تحسن إدارة وقتك |
أهمية الوقت من المنظور الإسلامي
من النعم الثمينة التي امتن الله بها على عباده نعمة الوقت
حيث قال سبحانه في محكم كتابه :
اللّهُ الّذِي خَلَقَ
السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ
الثّمَرَاتِ رِزْقاً لّكُمْ وَسَخّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ
بِأَمْرِهِ وَسَخّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ وَسَخّر لَكُمُ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ
دَآئِبَينَ وَسَخّرَ لَكُمُ الْلّيْلَ وَالنّهَارَ وَآتَاكُم مّن كُلّ مَا
سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنّ الإنْسَانَ
لَظَلُومٌ كَفّارٌ [سورة إبراهيم:32-34
ثم إنه قد ورد في السنة أحاديث عديدة تنبه على أهمية الوقت لدى المسلم و أنه رأسماله الحقيقي الذي سيسأل عنه يوم القيامة. فمن المتوجب عليه أن يحسن استثماره فيما يعود عليه بالنفع حتى لا يندم يوم لا ينفعه الندم. و من بعض الأحاديث النبوية التي تناولت الحديث عن أهمية الوقت، حديث للترمذي الذي رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس. عن عمره فيما أفناه و عن شبابه فيما أبلاه إلى آخر الحديث.
"و
قد ورد كذلك في حديث للحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و
سلم قال : "اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك، و صحتك قبل سقمك، و غناك قبل
فقرك، وفراغك قبل شغلك، و حياتك قبل موتك."
و قال كذلك صلى الله عليه و سلم : "نعمتان مغبون فيهما ابن آدم، الصحة و
الفراغ."
لقد اعتنى
الشرع الحكيم بالوقت و جعله من أولويات النجاح و التقدم و قد نلاحظ ذلك من أهم ركن
في الإسلام الذي هو الصلاة نجد أنها فرضت في أوقات محددة كما قال الله تعالى: إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا} (103)
و لأن الصلاة عماد الدين،
فهي أول ما يعلم الانسان و يدربه على تنظيم وقته و الالتزام بمهامه.
و قبل الحديث عن كيفية إدارة الوقت بشكل سليم
و ناجع، ارتأيت أن أنوه بقاعدة أساسية في هذه الحياة، ألا و هي سنة الزمن و
المقدار و التناسبية في ذلك. و التي وجب على الإنسان أن يحيط بها .
قال الله تعالى " إنا كل شيء خلقناه بقدر".
كل الأشياء في هذه الحياة تتطلب وقتا محددا.
و أهدافنا و نجاحاتنا هي واحد من هذه الأشياء. فمن غير المعقل أن نريد الوصول
بسرعة للنتائج المرجوة بمجرد العمل لها و نستعجل ثمرة اجتهادنا.
إن فهم هذه القاعدة هو فهم لقواعد وسنن كونية
تمشي عليها دورة الحياة و لا يمكن تغييرها أو استبدالها بأي شكل من الأشكال. ما يجب أن
يكون هو فهم هذه السنن و التهيأ للتكيف معها حتى تكون حياتنا طبيعية.
من أساسيات النجاح حسن إدارة الوقت
حتى تكون إنسانا ناجحا، لا بد أن تتعلم كيف تستثمر في وقتك و تحسن إدارته بما يعود عليك بالنفع، فقد صدق من قال: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
لا تستعجل نجاحك، خذ وقتك في كل شيء. أولست
ترى أن كل شيء له وقت و مقدار. حتى الليل حين يحل يسبقه الغروب، و لا تشرق الشمس و تنفلق إلا بعدما يشتد سواد الليل. فهل تعتقد أنك ستنال ما تريد دون أن يأخذ منك
ذلك جهدا و تعبا و وقتا.
تأنى و دع الأشياء تأخذ وقتها في انتظارك للنتائج. و في
المقابل، بادر في الاجتهاد و العمل و لا تنتظر الوقت المناسب. الآن هو الوقت
المناسب. حين تشعر بأمس الحاجة لتكون نسخة أفضل منك. فتشعر بألم النجاح و تقول في
قرارة نفسك لو كنت فعلت كذا و كذا...
ابدأ بهذا الذي يتوفر لك، و لا تقل ليس لدي
شيء الآن. شغل عقلك الذي ركنته في الزاوية. أعد تحريكه ليطرح عليك الأفكارالممكنة
و المتاحة.
إن لم يكن لك إلا وقتك فهو كاف لتبدأ، فما
بالك إن كانت لك نعمة الصحة و العافية. خذها من هذا المنطلق و لا تحصر فرصتك في
التطور و النمو في قدر من المال أو الأشخاص. لا تقلق، سيأتون في الطريق.
عندما تنطلق، قيم وقتك و استعد أحلامك الواقعية. و دع أحلامك المستحيلة لفترة نومك. حاول أن تكون نسخة جديدة منك و ابدأ
بالاشياء البسيطة و اسأل نفسك لماذا رغم كل هذا الإحباط و العجز الذي تشعر به، لماذا تشرق الشمس كل يوم
في الموعد المحدد لها. لماذا رغم كل هذا الظلم و الظلام لا تزال تشرق ؟ ستجد
الجواب حتما حين تعرف لماذا أنت لا تزال على قيد الحياة.
استراتيجيات لإدارة الوقت:
و في نفس السياق، هناك قوانين تم إيجادها من قبل الخبراء و
المختصين تساعدك على إدارة وقتك بشكل منظم و فعال.
و التي يمكن تقسيمها كما سيأتي:
استراتيجية " التهم هذا الضفدع" :
و هو عنوان لكتاب للكاتب برايان تريسي و معنى الاستراتيجية باختصار هو أن تبدأ يومك بإنجاز المهام الصعبة. فالمهام الصعبة هنا بمثابة الضفدع و التي كلما سوفتها كبر عبئها عليك و استصعبت الأمر أكثر. و بما أن لك مسؤوليات لا مفر لك من القيام بها، فالأولى أن تتخلص منها فتشعر بعد ذلك بالارتياح و يخف العبء عنك فيما تبقى من المهامات الأخرى.
استراتيجية أو ما يعرف بقانون إيزنهاور :
هي مقولة تبناها رئيس أمريكي سابق و مفادها كما تقول: لدي نوعان من المشاكل، المشاكل
العاجلة و المهمة. و العاجلة و التي ليست مهمة. و التي هي أهم لكن ليست عاجلة.
هذه الفكرة يمكن توضيحها أكثرعلى الشكل
الآتي :
1- المهام المهمة و المستعجلة : يجب القيام بها حينها
2- المهام الغير مهمة و المستعجلة : الأجدر التريث في إنجازها
3- المهام غير المستعجلة و غير المهمة : يمكنك تأجيلها لوقت لاحق
4- المهام المهمة و الغير العاجلة : و هذه لا تقل أهمية عن المهام الأولى فعليك
أن تضع لها مخططا للعمل عليها بالتدرج و الاستمرارية لانه سيكون لها الأثر الكبير
على حياتك و عملك و إنتاجيتك في المستقبل.
استراتيجية أو تكنيك البومودورو
و معنى هذه الكلمة الطماطم باللغة الإيطالية. و فكرتها أن تقسم وقتك على 4 أجزاء مثل الطماطم بحيث تستغرق كل فترة ما يقارب 25 دقيقة مثلا تلتزم فيها بإنجاز مهمتك و تنقطع إليها دون تشتت او فاصل ثم بعد انقضاء تلك المدة تأخذ استراحة قصيرة و تتمم الإنجاز و هكذا.
هذه الطريقة تعلمك الالتزام و الانغماس في العمل كما أنها ليست مرهقة لانها عبارة عن تقسيمات زمنية قصيرة يمكن التحكم فيها و عملها بكل سهولة.
هذه استراتيجيات نافعة جدا لمن يريد أن يتعلم الإنجاز و حسن إدارة وقته في زمن كثرث فيه المشتتات و الملهيات و الماجريات. حاولت أن ألخصها هنا من خلال ما تعلمته من أهل الخبرة و المجال . أتمنى أن تكون مفيدة ويتم العمل بها لزيادة الإنتاجية و تحقيق الأهداف.
إذا كان الميت قد أفضى إلى ما قدم، و بالتالي لم تبق له فرصة في الإنجاز أو التغيير أو استدراكه ما فات، فالأحياء ما تزال نعمة الحياة ورقة مهمة في يدهم ليصلحوا فيها أو ينجزوا أو يواظبوا على ما يعملون من الصالحات. و الحذر كل الحذر من تسويف الأولويات. و أخيرا أختم بدعوة النبي صلى الله عليه و سلم إلى المبادرة بالأعمال الصالحة و استغلال الأوقات ما أمكن :
بادروا بالأعمالِ فتَنًا كقطعِ اللَّيلِ المظلمِ ، يصبحُ الرَّجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا ، ويمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا يبيعُ أحدُهم دينَهُ بعرضٍ منَ الدُّنيا ( حديث لأبي هريرة ) في صحيح الترمذي.