عائد إلى شام قصص قصيرة

في عز الحضارة تنتفي الحضارة و تصبح الكلمة للأهواء. و عندما يسقط الانسان من دائرة الاهتمام فلك أن تتوقع حتمية النتائج في نهاية المطاف.

عائد إلى شام قصص قصيرة

عائد إلى شام

لم أكن أتخيل يوما أن الأيام بسرعة ستتوهج. أحببتني و كرهت أيامي في العبث و الآن أنا كلي فرح و سرور إذ غدا يومي كتوبة صادقة جبَّت ما قبلها من حلكة الأقدار و كم كنت أظنها ماكثة معنا لأمد بعيد. لأول مرة أعانق بوجهي نور الشمس دون خوف أو خجل...

 لم يعد في داخلي ما يهددني لأنطلق للعيش بكل جوارحي. أنا العصفور الشجي الذي قصت أجنحته كي لا يغرد في الصباح. و لكنني تحررت الآن و صار بإمكاني أن أعلم غيري كيف يحلم بالحرية كما يحلم بالشروق بعد ليلة مظلمة قاسية. 

في ظل الجانب المخيف للحضارة.

قصة 👈نزيف شام

 - هارب من كوابيس النهار و أشباح الموتى، خائف مرعوب يترقب. هل يسلم و يخرج من الجحيم أم ينتقل للعالم الآخر في رمشة عين. ركب الحاوية لا يشعر بقذارة النفايات المقززة، فهي أخف من اللحوم النتنة التي خلفها وراءه. في ذاكرته عاصفة من الأحزان، بداخل الوجدان، كأنه عجوز قد أدركه العمى، كيعقوب لما غاب عنه يوسف. صدأت من النحيب عيناه في اليوم القاسي الغريب، أمه ممزقة أشلاء، والده يبصمه ا.ل.ر.ص.ا.ص، إخوته يموتون مرتين. فلم بقي هو،  فقد القدرة على الكلام من هول المصيبة، و أطبق الشفتين بلا لملمة ولا صراخ. حتى دقات قلبه لم يعد يشعر بها.

 ما الذنب الذي يمكن أن يكون قد اقترفه، هو أو والديه أو أحد من أصوله لتستقبله الحياة بأقصى الويلات،. رفع رأسه، وجد نفسه في الحاوية، والتطم جسده الهزيل بركن في الضاحية. لم يحرك ساكنا حتى مضت ساعات من إلقائه هناك. نهض في هلع، وجد نفسه في عالم من الهدوء. لا يسمع تكبيرا و لا آهات، لا صوت دبابات غير ذبذبات الحشرات تحشحش لتعلمه أنه في المزبلة، أو بالأحرى هو بالكاد فارق حياة المزبلة.

 إنه في إحدى الضواحي التركية.  منشغل منهمك حائر، أين يتوجه، خائف، لا يعلم أين المصير. الليل يوشك أن يعم المنطقة . لا ملابس، لا رغيف لا ملعقة طعام تسد جوعه . أين يحتمي و أين يلجأ و الليل ملجأ لمن لا ملجأ له. صبي لم يتجاوز السابعة من عمره لا يعرف عن شر الإنسان سوى ما رآه هناك، لا يعرف شيئا عن الاستعباد أو الاستبعاد و لا عن الرق أو الاستغلال.

-  ألهمته نفسه بالاقتراب من مبنى خافت الأضواء و صدى الموسيقى يتردد من هناك. اقترب من المكان، وجد أناسا يرقصون وأصواتا تتعالى فقرر أن يبقى جالسا على الدرج قريبا من البوابة . خرج من هناك رجل متقدم في السن، تطلع إليه بنظرة متأملة قائلا له: مرحبا، لم يرد الصبي و أشار بيده  للرجل،  فتقدم  نحوه و سأله: ماذا تفعل هنا و مع من أنت؟ وجهك يوحي بأنك غريب عن هنا، هل أنت عربي؟ لم يتفوه الطفل بكلمة بينما  أجابت عيناه بدمعة صامتة سالت على خده سريعا. ربت الرجل على كتفيه و بحث في المكان إن كان قد هرب من أحد، لم يجد خبرا فقرر أن يأخذه معه إلى البيت حتى الصباح لينظر في شأنه.

- ذهب الصبي رفقة الرجل و دخلا البيت فقام بتحميمه  و أمده ببعض الملابس و أقعده بجوار المدفأة و لم يرد أن يسأله، فقد بدا له أنه متعب للغاية و كئيب بما فيه الكفاية. أطعمه و أرشده لغرفة نوم راقية . نام فيها الطفل لأول مرة بعد الفاجعة.

في صباح اليوم الموالي، تناول الصبي باسل أفخم فطور لم يطعمه من قبل. بعد ذلك خرج  لشرفة البيت يتطلع في النعيم الذي يعيش فيه هذا الرجل و بينما هو يتطلع في الزهور تراءت له صبية جميلة تبتسم من خلف الجدار. أسرع نحوها و مكث ينظر إليها في دهشة و فرح، ملامحها ذكرته بأخته الصغرى التي أخذها الموت أمام ناظريه في الهجوم الأخير على بلدته.

 أسرع نحوها و قدم لها أجمل وردة اقتطفها من جانبه لتختصر هذه الوردة حكايته كلها . لم يشعر إلا وهو يمسك بيدها. مسكين  هذا الصبي رغم كل الفقد الذي رآه، و رغم جور الزمان عليه إلا أنه وجد في داخله ما يدفعه للعطاء . فليس حقيقي أن فاقد الشيء لا يعطيه دائما..... يتبع

الجزء الثاني

- أعطاها وردة و عاد مسرعا إلى الداخل يتطلع إليها من النافذة، تذكر أخته  فاسترسلت عيناه في الدموع مجددا. شعر الرجل به فتوجه إليه و قال : يا ولدي، يبدو أنك أكبر بكثير مما كنت أعتقد، ما قصتك؟ لم أشأ أن أسألك بالأمس لكن من الضروري أن تخبرني عن قصتك حتى أجد لك حلا. هنا انفجر باسل بالبكاء و الصراخ و قال لا يا عمو ليس بالإمكان، أنا حلم هارب و طفل غائب فقدت كل شيء و لا أعرف أي شيء. فقدت أمي و أبي و إخوتي في الأمس القريب ولم أعي إلا و أنا داخل شاحنة النفايات . كنت سأموت رعبا،  يا ليتني كنت معهم. 

أنا لا أفهم، لم يحدث هذا في بلادنا، لم يقصدوننا و نحن لا نملك ما ندافع به عن أنفسنا. نحن في و طننا لكنه لم يحمينا. عمو، هل لك أن تشرح لي هذا السؤال؟ لم نحن بالذات تم تشريدنا و مزقنا كل ممزق، من المستفيد مما يحدث لنا؟ أما كان من الرحمة لو بقيت معي أمي، لم أتت بي إذا لهذه الحياة إن كانت ستتركني؟ لم علي أن أتحمل كل هذا؟!

-  لم أنا أشعر أنني مجبر على كره هذه الحياة، أليس من حقنا الفرح و اللعب و التمتع بأحضان أهلنا و نحن في هذا السن الصغير، أليس لهؤلاء أولاد يخافون عليهم حتى يشعروا بنا على الأقل! و ماذا عن العالم، ألم ير ما تضمه الأرض هناك من أبرياء سرعان ما يعودون ليحتضنهم التراب، أليس في هذه الدنيا إنسان يأكل و يلبس و يتألم لحالنا، إلى متى تتوقف مأساتنا و من يوقفها. أين لي و كيف أسترجع هويتي و حضن أمي ، أبي و إخوتي. هل ستظل الحياة هكذا. هل هذا هو ما يجب أن يكون، هل صرنا أرخص بضاعة لنهون. و تقول و تسألني من أكون...

ما أنا إلا صورة من ألبوم منزوع الدفتين ... هنا أمسكه الرجل و احتضنه بقوة و قال له: ابك يا ولدي، ابك حتى تشفى فالجراحات إن لم تخرج تنمو و تمرض صاحبها. ظل معه لساعات طويلة ثم أخذه معه لمدينة الملاهي و اهتم به و أهدى كل يومه لهذا الصبي و أجل مواعيده و أشغاله .

 قرربعد تفكير ليس باليسير أن يكفل هذا الصبي و يكون العوض له عن كل ما فقد و افتقد. 

بعد عشرين سنة. صار باسل شابا مكافحا. في محياه ازدواجية كلما رأيته رمقت لك بسمة و دمعة. استطاع بعد جهد و اجتهاد و مثابرة أن يصبح شخصا ناجحا و أخذ الدكتوراة و صار مهندسا كبيرا.

باسل يكتب مذكراته يعد ثلاثين سنة. و عاد باسل إلى وطنه و عاد الياسمين مزهرا كما لم يكن من قبل و غردت كلماته الممتزجة بالدهشة و الفرح. صار يقول و الدموع تغالبه: ليت أمي هنا ليت أبي و إخوتي هنا ها قد عدت طائرا أحلق في كل شبر من وطني . لم أكن أتصور أن عودتي ستكون بهذه السرعة. إنه الكرم يا والدي إنه الله كان يسمع دعائنا و لم ينسنا و حاشاه. و إنني لأشم رائحة الحرية تتسلل إلى جبل قاسيون كما يتسلل نور الشمس عبر النوافذ. كم هي الحياة جميلة يا أبي كم أنا سعيد لأعانق تراب هذه البلدة القاسية الحنونة. أما والله إني لأردت أن أشارككم حجم فرحتي بالعودة. و العود أحمد يا أبتي العود أحمد...

قصة👈من قلب المخيمات

 - تغريب... تهجير... تعذيب... علام كل هذا، من أجل رقعة في أرض ينفى أهلها و باسم التمرد يلحقهم العار و لعنة الأقدار. تركيبات مختلفة، أفكار متباينة و مشاعر متوحدة تتساءل عن الجرم المرتكب في حق الوطنية. أطفال يؤدون ضرائب الأنانية و المغالاة في النرجسية، و نساء يتجرعن مرارة القسوة المناخية و البشرية على حد سواء. و شباب تخلوا عن أحلامهم لأجل غير مسمى. 

ثياب رثة و رغيف يابس، و أطعمة نيئة يكفي أن توجد لتسد الرمق من الجوع. معادن تستخلص على نار هادئة، تختبر في بني البشر طاقة الصبر و التحمل و تعيده للفطرة السليمة. فالإحساس واحد و المصير واحد، و العيش مشترك، أصبح الفرد يمثل الجماعة. لا داعي لأن يسأل أحد عن حال أحد، فالحال يغني عن المقال و المآل بيد من لا يرون في العزل إلا ذبابا يجب التخلص منه و إسكات أزيزه الذي يزعج الآذان و ينغص عليهم الاستمتاع بالتسلط على بني الانسان.

 - قرارات في الغرفة المغلقة تطهى على مهل و تنفجر خارج الدائرة المستديرة. و الإنسان أضحى عدو الإنسان في سبيل نزواته . إن استحقاقه لا يأتي إلا باستنقاص غيره. حتى يسيطر عليهم و يتمنن عليهم و هو المنتهك لحقوقهم. خدعة مكشوفة للجميع و من يتجرأ و يوقف هذا السطو الشنيع. 

من هنا تبدأ القراءات و التحولات و البوادر المتجلية للأجيال القادمة المعدومة الكينونة المسلوبة الهوية. و من هنا تتشكل مختلف العقد النفسية و تعطينا خضما و نسيجا مجتمعيا عليلا لنتساءل في النهاية عن عدد الضحايا و عن الحلول و قد كانت في أيدينا من قبل أسباب الوقاية. 

للأسف، الحضارة رغم ما علا فيها من البنيان فما تزال قيمها خافضة بل هي أقرب في شناعتها للحياة البرية. فإلى متى تستمر هاته التجاوزات في حق الإنسانية، متى يطلق سراح الحرية. 

- كافرة هي الحرب، لا تعرف حبا و لا حياة و لا تفرق بين الصغير و الكبير. إذا أتت على أرض أهلكتها بأهلها و خيراتها و السماء بعد ذلك لوثت نقاءها فلا ترى إلا بخارا للدماء يتكاثف . حتى الطير لم يسلم منها. إنها الدبابة جالبة للشر و الخراب منذرة بالدمار و أما عن مدينة الحب فهي محرم عليها أن تنشأ بين القصف و الصرخات. مادام في الإنسان بغض لأخيه الإنسان و جشع بحجم السماء لا يهمه أن يفني الكون ليعيش هو . فمتى يدرك هذا القلب الميت حقيقة الحرب. متى يؤمن  بالحب حتى يعيش لأجل السلام.

بسمة خلف قضبان الطفولة 

ليست الظروف التي تكبلنا، نحن في الظروف نصقل مهاراتنا و نتوهج. لست كباقي الرفاق من نفس عمري. فمنهم من يحظى بمكانة كريمة و مريحة. و الدراسة عنده عادة صريحة.

 أما أنا، فالعمل صار بالنسبة لي ضرورة ملحة. و لأنني فقدت والداي مبكرا، فأنا المعيل لإخوتي و اضطررت لأخرح للعمل حتى نستمر في العيش نحن الإخوة. حلمي بأن أكون رائد فضاء لن أنتازل عنه، و ها أنا ذا أدرس حتى في ساعات عملي. أملي في الاجتهاد و التحصيل و التحدي بات صاحبي الذي لن يفارقني حتى أحقق أمنيتي.

 أنا المستقبل و في عيني تتبلور الدمعات لتجف و تصير بقعات أمل. سأصنع من نفسي شابا مقتدرا يبادر دائما لا يلتمس الأعذار.

MAGDA
بواسطة : MAGDA
ماجدة الضراوي: - طنجة. المغرب. - صانعة محتوى كتابي أدبي. -حاصلة على الإجازة في القانون خاص. - أستاذة لغة إنجليزية بالسلك الابتدائي الخاص. - درست القرآن الكريم برواية ورش عن نافع في معهد عائشة أم المؤمنين بطنجة. - درست في المركز اللغوي الأمريكي - طالبة في برنامج البناء المنهجي دفعة البشائر 5 الاهتمامات الأدبية: - الكتابة والشعر والقصص القصيرة. العضوية والنشر: - عضوة في منتديات متعددة في الوطن العربي - نشرت بعض أعمالها في المجلات المحلية الطموح. - المساهمة في إثراء المحتوى الأدبي. - تسليط الضوء على صوت المرأة في مجال الكتابة الإبداعية وباقي ميادين الحياة.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-