أحيانا يعمينا حب من نريد عن حمايته، و عوض أن ننفعه نضره، و يكون السبب غالبا جهلنا بأشياء، و السبب الآخر إيماننا بأشياء لا تضر و لا تنفع و لكن نفعلها عن جهل أو عن اعتياد. هذه واحدة من القصص القصيرة التي تحكي عن قصة أسرة ما تزال تعيش في براثن العقم الفكري و بالتالي تؤمن بكل شيء و مع ذلك لم تحصل على شيء. و لأن أصل إيمانها لم يكن صلبا فسرعان ما سقط و ذرته الرياح و نسفته نسفا.
حلم ضائع (قصص قصيرة) |
قصص قصيرة في صيغة مختصرة عسى أن تكون عبرة لتصحيح الأباطيل و تثبيت الحقائق.
حلم ضائع
- بنته على مكث من أول يوم. حلم جميل بعد سنوات عقيم. في أحشائها سمته جمعا لكل حلم و أطلقت على بكرها اسم أحلام. فتاة في المستقبل القريب، معقود على ناصيتها الفأل الحسن و أن تغرد في البيت حتى يصدح الجميع بطرب السعادة.
- اكتمل الحمل على خير و جاءت البشرى. صبية لها صورة لا لأهل الدنيا بها. تكفي نظرة إليها ليعلم أنها مما يشبه وجوه الخالدين في جنات النعيم. ذات عينين حوراوتين. و ثغر كخاتم في منتهاه غمازة الجمال. أثلجت صدر والديها بالقدوم. فرحت بها الأسرة بل العائلة و كأنها الأولى في السلالة. اختير لها الرفيع من القماش و الملابس. و زينت غرفتها بشتى الديكورات و آخر صيحات التصاميم لغرف الأطفال .جاءت لتعيش و كما يقول المثل في فمها ملعقة من ذهب.
- ذهب عامها الأول و هي ترتع في الغنج و الدلال بين أم تسمي نفسها محظوظة و أب يوقن أنه أهل ليكون ولي أمرها. أقيمت حفلة عيد ميلادها الأول على شاطئ البحر، و تم استدعاء الصبايا و الصبية مرفوقين بهدايا و لعب. انتهت حفلتهم و لم تنتهي فرحتهم فهم دائما من احتفال إلى احتفال حتى جاء اليوم الذي أسكن حركاتهم و قض مضجعهم و أعادهم لزمن ما قبل أحلام.
تغيرات بدت تظهر شيئا فشيئا على الصبية. لا تتوقف عن البكاء حتى الثالثة صباحا فإذا نامت نامت وهي تصدر أصواتا و كلاما غير مفهوم بصوت غريب. بدت في المرة الأولى كمرحلة عارضة لتتطور إلى أعراض لا تفسير لها ، فهناك من قال أن بها مس من جن وهناك من قال عين حاسدة و هناك من قال بوادر مرض عضوي. و تعددت الآراء و كبرت المخاوف فانقلبت حياة الأسرة على عقبها. و أصبحت الأماسي أوقاتا للندبة و الحزن.
أخذت الجدة الصبية، وضعتها في حجرها و انهالت عليها بالثفل و هي تتمتم في همس و تقول لاشك أن ابنتنا أصابتها عين حارة و الكل يتطلع إليها في لهفة و رجاء أن تجدي كلماتها فتخف حالة الصبية المسكينة .
- في فجر اليوم الموالي، تسللت الجدة في صمت بعد ليلة مؤرقة لا تخلو من بكاء الصبية أحلام. أخذتها جدتها و توجهت بها لإحدى الأضرحة حيث الأولياء طمعا في تحسن حالتها. عادت بها هادئة على غير الحالة التي ذهبت عليها. دخلت و هي بين يديها متهللة توحي لمن في البيت أنها قد ذهبت علتها.
بعد فترة من الهدوء النسبي الذي حل بالبيت تلك العشية و الليلة، عادت بسمة الأم و أبيها أملا في عودة السعادة و المرح على ابنتهما الغالية. لكن بعد ثلاث ليال حسوما، نهضت الأم لتأخذ ابنتها لترضعها فوجدتها جثة هامدة كقطعة لحم داكنة اللون.
كان آخر ما تقيأته سائلا أسودا. تسارعت نبضات الأم المكلومة و صرخت صرخة عالية طويلة و سقطت مغشيا عليها. بعدما أفاقت، علم الجميع بحجم المصيبة التي ألمت بالعائلة و أخذت الصبية إلى الطبيب لمعرفة سبب الوفاة فتبين أنها تناولت خليطا من الماء و التربة .
- حين سألوا جدتها، اعترفت بالقصة و قالت أنها أعطتها من بركة الولي حتى تشفى من أثر العين التي أصابتها.
و كما قيل من الحب ما قتل، فمن الجهل ما قتل و فتن. و الفتنة أشد من القتل.
لعنة النزوات
- رضيع، من أمه لم يشبع الحليب، رمته في القمامة، رماها حين شاخت بلا ندامة. فاقد الشيء لا يعطيه دائما و الخصوم تجتمع يوم القيامة. ما ذنبه، الكل يعيره أن جاء للدنيا معه الملامة، و اللوم حقيقة على المجتمع الذي ينسج أوعية في الخفاء و ينميها، حتى إذا تفشت عيرت العلامة . نفاق ينخر في أعماق مرضى النفوس يهدد السلامة. فمتى يتوقف نحيب الصبايا.
- في دور الطفولة، تحلم الصبايا بحياة كريمة لا تعير للأمس اهتماما. قدرنا أننا نختلف في الحق و نتفق عليه بعدما يفوت الأوان.
سحابة مظلمة ملبدة بعقد الكبت و الحرمان و سوء فهم للذكورة، أمطرت ويلات من الضحايا في غياب للحكمة و الصرامة. وتساهم أمهات لسن بأمهات تبعن أنفسهن رخيصات أيما ظلم لما هو آت جانيات. من يتحمل المسؤولية عن جيل يزيد فينا مكتئبا أو مجرما أو مدمنا. هل تنقصنا الدراما.
كفى من العبث تحت مظلة الحرية و تكملة الحياة بلا قوامة . كفى فالمحاكم تشتكي و المشانق لن تختفي مادام العقل معطل مادامت ليست هناك حكامة.
✍️ حظوظ
بعد سنين عجاف من العقم، شاء الله أن يكون لها حظ في الذرية. امرأة سينغالية في العقد الثالث من عمرها، رمتها الأمواج على الشاطئ عندما كانت تحاول العبور إلى الضفة الأخرى بحثا عن حياة كريمة تؤمن بها عيشة سوية.
نجت من البحر لكنها لم تنج من الموت، فبمجرد ما وطئت البر فاجأها المخاض و كم كان عسيرا مخاضها لتنجب طفلة و تتركها أمانة مع سيدة ساعدتها في الوضع.
رحلت الأم في معاناة و صمت. و أخذت السيدة الطفلة بكل حزن و لهفة فهي الأخرى التي لم يعد بمقدورها أن تنجب بعد ما تم استئصال رحمها إنقاذا لها من مرض خطير كانت تعاني منه. كانت الطفلة العوض لها عن الذرية و تربت الطفلة في كنفها في عز و ترف. و أطلق على اسمها حظوظ.
✍️ حكاية نازحة
عندما تغوَّلت الحرب في بلادنا، اضطررت كما في
السنة الفارطة أن أنزح لمكان آخر لعله يكون آمنا فأستطيع بذلك أن أحتمي من قساوة
البرد و لهيب النيران. و لكن هذه السنة استثنائية. لقد فقدت أسرتي كلها بسبب هذه
الحرب اللعينة و لم يبق منها إلا أخي الصغير، هذا الذي أدخلني مهمة الأمومة باكرا
و ما كنت أدر ما الأمومة و لا العناية و لا التربية. و في حقيقة الأمر أنا كذلك
طفلة مثله، لا أزال أحتاج للرعاية...
بين عشية و ضحاها، استيقظت على كابوس الحياة
فوجدتني غريبة وحيدة. و فجأة، اختفى من حولي كل شيء جميل. منذ وعيت بنفسي و والدي كان
يقول لي علينا أن نحب الحياة لأننا نستحقها. و اليوم لم أعد أعلم هل حقا علينا أن
نحب الحياة مع كل هذا الألم و الفقد و الخوف. أعياني أخي و أنا أحمله في طريقي
للنزوح و أجر رجلي من شدة التعب فأتعثر تارة و تارة أستمر. استوقفني منظر الثلوج
البيضاء السخية و قلت في نفسي لماذا ليست كل القلوب بيضاء مثل هذه الثلوج. علمتني
الحرب أن أكبر قبل الأوان، علمتني الذبول و الذهول. و لكنني مضطرة لاستمر في العيش
مع كل هاته الظروف لأجل هذا الطفل البريء. لكنني أنا أيضا بريئة... نعم كلنا أبرياء...
فلماذا الحرب إذا؟